الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن الْمَكْتُوبَاتُ خَمْسٌ الظُّهْرُ، وَأَوَّلُ وَقْتِهِ زَوَالُ الشَّمْسِ، وَآخَرُهُ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ.
الشرحُ كِتَابُ الصَّلَاةِ جَمْعُهَا صَلَوَاتٌ، وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ. قَالَ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التَّوْبَةُ] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ، وَتَقَدَّمَ بَسْطُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى التَّعَطُّفِ عُدِّيَتْ بِعَلَى، وَشَرْعًا أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، وَلَا تُرَدُّ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْغَالِبِ، فَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. وَقَدْ بَدَأَ بِالْمَكْتُوبَاتِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ وَأَفْضَلُ، فَقَالَ (الْمَكْتُوبَاتُ) أَيْ الْمَفْرُوضَاتُ الْعَيْنِيَّةُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (خَمْسٌ) مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الْبَقَرَةُ]: أَيْ حَافِظُوا عَلَيْهَا دَائِمًا بِإِكْمَالِ وَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا، وقَوْله تَعَالَى: {إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النِّسَاءُ]: أَيْ مُحَتَّمَةً مُوَقَّتَةً، وَأَخْبَارٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ (كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ)، وَقَوْلِهِ لِلْأَعْرَابِيِّ (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ)، وَقَوْلِهِ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ (أَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) . وَأَمَّا وُجُوبُ قِيَامِ اللَّيْلِ فَنُسِخَ فِي حَقِّنَا، وَهَلْ نُسِخَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَا، وَالصَّحِيحُ: نَعَمْ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الْعَيْنِيَّةُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، لَكِنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ الْمَفْرُوضَاتِ الْعَيْنِيَّةِ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ إلَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ وَهُوَ رَأْيٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَكَانَ فَرْضُ الْخَمْسِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ كَمَا مَرَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَقِيلَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.
فَائِدَةٌ: فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ لِلرَّافِعِيِّ أَنَّ الصُّبْحَ كَانَتْ صَلَاةَ آدَمَ، وَالظُّهْرَ كَانَتْ صَلَاةَ دَاوُد، وَالْعَصْرَ كَانَتْ صَلَاةَ سُلَيْمَانَ، وَالْمَغْرِبَ كَانَتْ صَلَاةَ يَعْقُوبَ، وَالْعِشَاءَ كَانَتْ صَلَاةَ يُونُسَ وَأَوْرَدَ فِي ذَلِكَ خَبَرًا، فَجَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَمِيعَ ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَلِكَثْرَةِ الْأُجُورِ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ. وَلَمَّا كَانَتْ الظُّهْرُ أَوَّلَ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْلِهِ: {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الْإِسْرَاءُ] بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهَا، فَقَالَ (الظُّهْرُ) أَيْ صَلَاةُ الظُّهْرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ أَيْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ وَسَطَ النَّهَارِ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَلِمَ لَمْ يَبْدَأْ بِالصُّبْحِ؟. أُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ حَصَلَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِ الْخَمْسِ مِنْ الظُّهْرِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. الثَّانِي: أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالصَّلَاةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى بَيَانِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَّا عِنْدَ الظُّهْرِ. وَلَمَّا صَدَّرَ الْأَكْثَرُونَ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبَابَ بِذِكْرِ الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهَا تَجِبُ الصَّلَاةُ، وَبِخُرُوجِهَا تَفُوتُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الرُّومُ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِحِينَ تُمْسُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَبِحِينَ تُصْبِحُونَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَبِعَشِيًّا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَبِحِينَ تُظْهِرُونَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَخَبَرُ (أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ الْفَيْءُ قَدْرَ الشِّرَاكِ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ أَيْ الشَّيْءِ مِثْلَهُ، وَالْمَغْرِبَ حِين أَفْطَرَ الصَّائِمُ. أَيْ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَالْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَالْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَالْفَجْرَ فَأَسْفَرَ، وَقَالَ: هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: (صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ) أَيْ فَرَغَ مِنْهَا حِينَئِذٍ كَمَا شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَافِيًا بِهِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي وَقْتٍ، وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ (وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ) وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ، فَقَالَ (وَأَوَّلُ وَقْتِهِ) أَيْ الظُّهْرِ (زَوَالُ الشَّمْسِ) أَيْ وَقْتُ زَوَالِهَا: يَعْنِي يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالزَّوَالِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ الْمُسَمَّى بُلُوغَهَا إلَيْهِ بِحَالَةِ الِاسْتِوَاءِ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ لَا فِي الْوَاقِعِ بَلْ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ ظِلِّ الشَّيْءِ عَلَى ظِلِّهِ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ أَوْ بِحُدُوثِهِ إنْ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ ظِلٌّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَمَكَّةَ وَصَنْعَاءَ الْيَمَنِ فِي أَطْوَلِ أَيَّامِ السَّنَةِ، فَلَوْ شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ ثُمَّ ظَهَرَ الزَّوَالُ عَقِبَ التَّكْبِيرِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَصِحَّ الظُّهْرُ، وَإِنْ كَانَ التَّكْبِيرُ حَاصِلَا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْفَجْرِ وَغَيْرِهِ (وَآخَرُهُ) أَيْ وَقْتِ الظُّهْرِ (مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ) الْمَوْجُودِ عِنْدَ الزَّوَالِ، وَإِذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ الزَّوَالِ فَاعْتَبِرْهُ بِقَامَتِكَ أَوْ شَاخِصٍ تُقِيمُهُ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ، وَعَلِّمْ عَلَى رَأْسِ الظِّلِّ، فَمَا زَالَ الظِّلُّ يَنْقُصُ مِنْ الْخَطِّ فَهُوَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِنْ وَقَفَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَهُوَ وَقْتُ الِاسْتِوَاءِ، وَإِنْ أَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ عُلِمَ أَنَّ الشَّمْسَ زَالَتْ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَقَامَةُ كُلِّ إنْسَانِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ بِقَدَمِهِ. وَالشَّمْسُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَرْبَابِ عِلْمِ الْهَيْئَةِ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ. وَقَالَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ فِي السَّادِسَةِ: وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَمَرِ لِكَثْرَةِ نَفْعِهَا. قَالَ الْأَكْثَرُونَ: وَ لِلظُّهْرِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلُهُ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى آخِرِهِ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الْعَصْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهَا أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الشَّيْء مِثْلَ رُبْعِهِ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلَ نِصْفِهِ، وَوَقْتُ جَوَازٍ إلَى آخِرِهِ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الْعَصْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ، وَلَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَسَيَأْتِي، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَهُوَ آخِرُ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُهَا وَلَا عُذْرَ وَإِنْ وَقَعَتْ أَدَاءً، وَيَجْرِيَانِ فِي سَائِرِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.
فَائِدَةٌ: الظِّلُّ أَصْلُهُ السَّتْرُ، وَمِنْهُ أَنَا فِي ظِلِّ فُلَانٍ، وَظِلُّ اللَّيْلِ سَوَادُهُ، وَهُوَ يَشْمَلُ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ، وَالْفَيْءُ مُخْتَصٌّ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ. وَقَدْ سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا إذَا تَرَاءَتْ لَهُ شَجَرَةٌ يَقُولُ: (يَا رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَسْتَظِلَّ فِي ظِلِّهَا) الْحَدِيثُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَسْتَظِلُّ وَالشَّمْسُ قَدْ كُوِّرَتْ؟. أَجَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الْوَاقِعَةُ]، وَبِقَوْلِهِ: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ} [يس]. إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَكْوِيرِ الشَّمْسِ عَدَمُ الظِّلِّ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِعَدَمِيٍّ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لَهُ نَفْعٌ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَبَدَانِ وَغَيْرِهَا فَلَيْسَ الظِّلُّ عَدَمَ الشَّمْسِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ. .
المتن وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَيَبْقَى حَتَّى تَغْرُبَ، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ مَصِيرِ مِثْلَيْنِ.
الشرحُ (وَهُوَ) أَيْ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى مَا مَرَّ (أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُدُوثُ زِيَادَةٍ فَاصِلَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْء مِثْلَهُ وَزَادَ أَدْنَى زِيَادَةٍ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا جَاوَزَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ بِأَقَلَّ زِيَادَةٍ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِمَا ذُكِرَ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ إلَّا بِهَا وَهِيَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَقِيلَ فَاصِلَةٌ بَيْنَهُمَا (وَيَبْقَى) وَقْتُهُ (حَتَّى تَغْرُبَ) الشَّمْسُ لِحَدِيثِ (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ،. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادِهِ فِي مُسْلِمٍ (وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ) (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْنِ) بَعْدَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ إنْ كَانَ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ الْمَارِّ، وَسُمِّيَ مُخْتَارًا لِمَا فِيهِ مِنْ الرُّجْحَانِ عَلَى مَا بَعْدَهُ. وَفِي الْإِقْلِيدِ: يُسَمَّى بِذَلِكَ لِاخْتِيَارِ جِبْرِيلَ إيَّاهُ، وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا (الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ) مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ : يَخْرُجُ وَقْتُ الْعَصْرِ بِمَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ بِالثُّلُثِ، وَالصُّبْحِ بِالْإِسْفَارِ لِظَاهِرِ بَيَانِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَلِلْعَصْرِ سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الظُّهْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وَهُوَ آخِرُ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُهَا وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا أَدَاءٌ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ بِوَقْتِ حُرْمَةٍ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ، وَهَذَا الْوَقْتُ وَقْتُ إيجَابٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَنَفْسُ التَّأْخِيرِ هُوَ الْمُحَرَّمُ، لَا نَفْسُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ ا هـ. وَيَأْتِي هَذَا النَّظَرُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِمْ: وَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَامِنًا، وَهُوَ وَقْتُ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ عَمْدًا فَإِنَّهَا تَصِيرُ قَضَاءً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ، وَلَكِنَّ هَذَا رَأْيٌ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحُ لَا تَصِيرُ قَضَاءً، وَزَادَ بَعْضُهُمْ تَاسِعًا، وَهُوَ وَقْتُ أَدَاءً إذَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَقَطْ. .
المتن وَالْمَغْرِبُ بِالْغُرُوبِ، وَيَبْقَى حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فِي الْقَدِيمِ، وَفِي الْجَدِيدِ يَنْقَضِي بِمُضِيِّ قَدْرِ وُضُوءٍ، وَسَتْرِ عَوْرَةٍ، وَأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ، وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِ وَمَدَّ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرحُ (وَالْمَغْرِبُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِالْغُرُوبِ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِفِعْلِهَا عَقِبَ الْغُرُوبِ. وَأَصْلُ الْغُرُوبِ الْبُعْدُ، يُقَالُ غَرَبَ بِفَتْحِ الرَّاءِ إذَا بَعُدَ وَالْمُرَادُ تَكَامُلُ الْغُرُوبِ، وَيُعْرَفُ فِي الْعُمْرَانِ بِزَوَالِ الشُّعَاعِ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ وَإِقْبَالِ الظَّلَامِ مِنْ الْمَشْرِقِ (وَيَبْقَى) وَقْتُهَا (حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فِي الْقَدِيمِ) لِمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ (وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ) وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُ هَذَا، وَخَرَجَ بِالْأَحْمَرِ الْأَصْفَرُ وَالْأَبْيَضُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّرِ لِانْصِرَافِ الِاسْمِ إلَيْهِ لُغَةً؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْحُمْرَةُ كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ (وَفِي الْجَدِيدِ يَنْقَضِي) وَقْتُهَا (بِمُضِيِّ قَدْرِ) زَمَنِ (وُضُوءٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ)؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَرُدَّ بِأَنَّ جِبْرِيلَ إنَّمَا بَيَّنَ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ. وَأَمَّا الْوَقْتُ الْجَائِزُ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لَهُ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى قَدْرَ هَذِهِ الْأُمُورِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَمْسِ الْمَغْرِبُ وَسُنَّتُهَا الْبَعْدِيَّةُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ سَبْعَ رَكَعَاتٍ فَزَادَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ فِي الْكِتَابِ اسْتِحْبَابَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَاسْتَحَبَّ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيُّ أَرْبَعًا بَعْدَهَا، فَيُعْتَبَرُ عَلَى هَذَا تِسْعُ رَكَعَاتٍ، وَالِاعْتِبَارُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ كَذَا أَطْلَقَهُ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ الْوَسَطُ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا قَدْرُ أَكْلِ لُقَمٍ يَكْسِرُ بِهَا حِدَّةَ الْجُوعِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، لَكِنْ صَوَّبَ فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ اعْتِبَارَ الشِّبَعِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (إذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ) وَحُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى الشِّبَعِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ لُقَيْمَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، وَالْعَشَاءُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا أَيْضًا. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَتَحْسَبُونَهُ عَشَاءَكُمْ الْخَبِيثَ إنَّمَا كَانَ أَكْلُهُمْ لُقَيْمَاتٍ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالطُّهْرِ بَدَلَ الْوُضُوءِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْغُسْلَ وَالتَّيَمُّمَ وَإِزَالَةَ الْخَبَثِ، وَعَبَّرَ جَمَاعَةٌ بِلُبْسِ الثِّيَابِ بَدَلَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِتَنَاوُلِهِ التَّعَمُّمَ وَالتَّقَمُّصَ وَالِارْتِدَاءَ وَنَحْوَهَا فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلصَّلَاةِ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ. وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْجَمْعِ وُقُوعُ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الْمَتْبُوعَةِ، فَكَيْفَ يَنْحَصِرُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ فِيمَا ذُكِرَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَقْتَ الْمَذْكُورَ يَسَعُ صَلَاتَيْنِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ الشَّرَائِطُ عِنْدَ الْوَقْتِ مُجْتَمِعَةً فَإِنْ فُرِضَ ضِيقُهُ عَنْهُمَا لِأَجْلِ اشْتِغَالِهِ بِالْأَسْبَابِ امْتَنَعَ الْجَمْعُ (وَلَوْ شَرَعَ) فِيهَا (فِي الْوَقْتِ) عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ (وَمَدَّ) بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا (حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ) وَإِنْ خَرَجَ بِذَلِكَ وَقْتُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْمَدَّ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛؛ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ طَوَّلَ مَرَّةً فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقِيلَ لَهُ: كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ، قَالَ: لَوْ طَلَعَتْ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِالْأَعْرَافِ الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ (وَقِرَاءَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْرُبُ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ لِتَدَبُّرِهِ لَهَا) وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِوُقُوعِ بَعْضِهَا خَارِجَ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ إذَا خَرَجَ بَعْضُهَا عَنْ الْوَقْتِ تَكُونُ قَضَاءً كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْمَدِّ فَيَتَّجِهُ إيقَاعُ رَكْعَةٍ فِي وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ ا هـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ. نَعَمْ يُشْتَرَطُ إيقَاعُ رَكْعَةٍ لِتَسْمِيَتِهَا أَدَاءً وَإِلَّا فَتَكُونُ قَضَاءً لَكِنْ لَا إثْمَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَعَ فِيهَا فِي وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ (قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: بَلْ جَدِيدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ أَحَادِيثُ فِي مُسْلِمٍ. مِنْهَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاةِ جِبْرِيلَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ كَمَا مَرَّ، وَأَيْضًا أَحَادِيثُ مُسْلِمٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ بِمَكَّةَ، وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ رُوَاةً وَأَصَحُّ إسْنَادًا مِنْهُ. قَالَ وَعَلَى هَذَا لِلْمَغْرِبِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ، وَاخْتِيَارٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَوَقْتُ جَوَازٍ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتَ الْعِشَاءِ لِمَنْ يَجْمَعُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ التِّرْمِذِيِّ وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْجَدِيدِ ا هـ، وَمَعْنَاهُ وَاضِحٌ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَهَا أَيْضًا وَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَوَقْتُ أَدَاءً، وَهُوَ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَقَطْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهَا وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ، وَوَقْتُ عُذْرٍ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ. .
المتن وَالْعِشَاءُ بِمَغِيبِ الشَّفَقِ، وَيَبْقَى إلَى الْفَجْرِ، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ
الشرحُ (وَالْعِشَاءُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِمَغِيبِ الشَّفَقِ) الْأَحْمَرِ لِمَا سَبَقَ، لَا مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَصْفَرِ ثُمَّ الْأَبْيَضِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِلْمُزَنِيِّ فِي الثَّانِي، وَمَنْ لَا عِشَاءَ لَهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا بِنَوَاحٍ لَا يَغِيبُ فِيهَا شَفَقُهُمْ يُقَدِّرُونَ قَدْرَ مَا يَغِيبُ فِيهِ الشَّفَقُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ كَعَادِمِ الْقُوتِ الْمُجْزِئِ فِي الْفِطْرَةِ بِبَلَدِهِ: أَيْ فَإِنْ كَانَ شَفَقُهُمْ يَغِيبُ عِنْدَ رُبْعِ لَيْلِهِمْ مَثَلًا اُعْتُبِرَ مِنْ لَيْلِ هَؤُلَاءِ بِالنِّسْبَةِ، لَا أَنَّهُمْ يَصْبِرُونَ بِقَدْرِ مَا يَمْضِي مِنْ لَيْلِهِمْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ لَيْلَهُمْ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْخَادِمِ (وَيَبْقَى) وَقْتُهَا (إلَى الْفَجْرِ) الصَّادِقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لِحَدِيثِ (لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، خَرَجَتْ الصُّبْحُ بِدَلِيلٍ، فَبَقِيَ عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي غَيْرِهَا، وَخَرَجَ بِالصَّادِقِ الْكَاذِبُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا (وَالِاخْتِيَارُ: أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا: (الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ) مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ (وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ) لِخَبَرِ (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَكَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ، فَلَهَا سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ، وَوَقْتُ جَوَازٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الْمَغْرِبِ لِمَنْ يَجْمَعُ، وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ. .
المتن وَالصُّبْحُ بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِالْأُفُقِ، وَيَبْقَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ الْإِسْفَارِ. قُلْتُ: يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً، وَالْعِشَاءُ عَتَمَةً، وَالنَّوْمُ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا إلَّا فِي خَيْرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ، وَفِي قَوْلٍ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ أَفْضَلُ.
الشرحُ (وَالصُّبْحُ) بِضَمِّ الصَّادِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا فِي اللُّغَةِ أَوَّلُ النَّهَارِ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ بِهِ هَذِهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ بَعْدَ الْفَجْرِ الَّذِي يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: وَجْهٌ صَبِيحٌ لِمَا فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ) لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ. وَإِنَّمَا يَحْرُمَانِ بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ (وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِالْأُفُقِ) أَيْ نَوَاحِي السَّمَاءِ بِخِلَافِ الْكَاذِبِ فَإِنَّهُ يَطْلُعُ مُسْتَطِيلًا بِأَعْلَاهُ ضَوْءٌ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ: أَيْ الذِّئْبِ، ثُمَّ تَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ، وَشُبِّهَ بِذَنَبِ السِّرْحَانِ لِطُولِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الضَّوْءَ يَكُونُ فِي الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ كَمَا أَنَّ الشَّعْرَ عَلَى أَعْلَى ذَنَبِ السِّرْحَانِ دُونَ أَسْفَلِهِ.
تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُهُ هُنَا الْفَجْرَ بِالصَّادِقِ وَإِهْمَالُهُ فِي خُرُوجِ وَقْتِ الْعِشَاءِ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يُعْتَبَرُ هُنَاكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا يَخْرُجُ بِالصَّادِقِ كَمَا قَدَّرْتُهُ الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ الصُّبْحِ وَلَوْ عَكَسَ فَوَصَفَهُ بِهِ أَوَّلًا وَأَطْلَقَهُ ثَانِيًا فَاللَّامُ الْعَهْدِ لِيَعُودَ إلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى (وَيَبْقَى) وَقْتُهَا (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ (وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) وَالْمُرَادُ بِطُلُوعِهَا هُنَا طُلُوعُ بَعْضِهَا بِخِلَافِ غُرُوبِهَا فِيمَا مَرَّ إلْحَاقًا لِمَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ فِيهِمَا، وَلِأَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ بَعْضِ الْفَجْرِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَخْرُجَ بِطُلُوعِ بَعْضِ الشَّمْسِ (وَالِاخْتِيَارُ: أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ الْأَسْفَارِ) وَهُوَ الْإِضَاءَةُ، لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا: (الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ) مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ، وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى الِاحْمِرَارِ، ثُمَّ وَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ وَهِيَ نَهَارِيَّةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ} [الْبَقَرَةُ] الْآيَةَ، وَلِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ. الصَّلَاةُ الْوُسْطَى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [الْبَقَرَةُ] الْآيَةَ إذْ لَا قُنُوتَ إلَّا فِي الصُّبْحِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ (قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِمَنْ يَكْتُبُ لَهَا مُصْحَفًا: اُكْتُبْ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ قَالَتْ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إذْ الْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ لِخَبَرِ (شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ). وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ فَصَارَ هَذَا مَذْهَبُهُ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا تَوَهَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَصَحُّ أَنَّهَا الْعَصْرُ. كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الصُّبْحِ غَدَاةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ، وَتُسَمَّى صُبْحًا وَفَجْرًا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بِالثَّانِيَةِ، وَالسُّنَّةُ بِهِمَا مَعًا (قُلْتُ يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً، وَ) تَسْمِيَةُ (الْعِشَاءِ عَتَمَةً) لِلنَّهْيِ عَنْ الْأَوَّلِ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ (لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ) وَعَنْ الثَّانِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ (لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا إنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يَعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ (بِحِلَابِ الْإِبِلِ) قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِكَوْنِهِمْ يَعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ: أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ إلَى شِدَّةِ الظَّلَامِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا سَمَّاهَا فِي كِتَابِهِ الْعِشَاءَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ تَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ عَتَمَةً هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَزَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ قَالَ الْمَجْمُوعِ: نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى بِذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ يُكْرَهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فَظَهَرَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ. وَقَالَ فِي الْعُبَابِ: وَيُنْدَبُ أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الْعِشَاءَانِ، وَلَا لِلْعِشَاءِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ سُمِّيَتْ فِي الْحَدِيثِ عَتَمَةً لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِي الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ) . أُجِيبَ بِأَنَّهُ خَاطَبَ بِالْعَتَمَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعِشَاءَ أَوْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ (وَ) يُكْرَهُ (النَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكْرَهُ ذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ خَوْفُ اسْتِمْرَارِهِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ تَعُمُّ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ، وَمَحَلُّهُ إذَا ظَنَّ تَيَقُّظَهُ فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَيَقَّظَ فِي الْوَقْتِ إلَّا أَنَّهُ غَلَبَهُ النَّوْمُ فَلَا يَعْصِي بَلْ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِعُذْرِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ أَيْضًا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فِعْلِ الْمَغْرِبِ لِلْمَعْنَى السَّابِقِ ا هـ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ اسْتِغْرَاقُ الْوَقْتِ لِمَا ذُكِرَ (وَ) يُكْرَهُ (الْحَدِيثُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ فِعْلِهَا؛؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ نَوْمَهُ يَتَأَخَّرُ فَيَخَافُ فَوْتَ صَلَاةِ اللَّيْلِ إنْ كَانَ لَهُ صَلَاةُ لَيْلٍ، أَوْ فَوْتَ الصُّبْحِ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ عَنْ أَوَّلِهِ، وَلِتَقَعَ الصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ خَاتِمَةَ عَمَلِهِ، وَالنَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَرُبَّمَا مَاتَ فِي نَوْمِهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا، وَهَذَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ الْحَدِيثُ الْمُبَاحُ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ. أَمَّا الْمَكْرُوهُ، فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ جَمَعَ الْعِشَاءَ مَعَ الْمَغْرِبِ تَقْدِيمًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ التَّعَالِيلِ، وَلَوْ تَحَدَّثَ قَبْلَهَا فَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ بِالْكَرَاهَةِ أَوْلَى لِزِيَادَةِ الْمَحْذُورِ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَفْضَلِيَّةِ التَّقْدِيمِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ (إلَّا فِي خَيْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ، وَمُذَاكَرَةِ فِقْهٍ، وَإِينَاسِ ضَيْفٍ وَزَوْجَةٍ عِنْدَ زِفَافِهَا، وَتَكَلُّمٍ بِمَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ كَحِسَابٍ، وَمُحَادَثَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ لِمُلَاطَفَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ نَاجِزٌ فَلَا يُتْرَكُ لِمَفْسَدَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ، وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا عَامَّةَ لَيْلِهِ عَنْ بَنْيِ إسْرَائِيل) وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ كَرَاهَةِ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا الْمُسَافِرَ، وَمِنْ كَرَاهَةِ الْحَدِيثِ قَبْلَهَا إذَا قُلْنَا بِهِ الْمُنْتَظِرَ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا سَمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَّا لِمُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
فَائِدَةٌ: رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: (ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدَّجَّالَ وَلُبْثَهُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا: فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ: لَا اقْدِرُوا لَهُ قَدْرَهُ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَيُسْتَثْنَى هَذَا الْيَوْمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَوَاقِيتِ، وَيُقَاسُ بِهِ الْيَوْمَانِ التَّالِيَانِ لَهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ سَيُحْتَاجُ إلَيْهَا نَصَّ عَلَى حُكْمِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ. وَاعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ مُوَسَّعٌ إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا، وَإِذَا أَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يَسَعُهَا قَبْلَ فِعْلِهَا لَمْ يَعْصِ بِخِلَافِ الْحَجِّ إذَا مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ وَلَمْ يُقَصِّرْ بِإِخْرَاجِهَا عَنْهُ، نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِهَا كَأَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَطَالَبَهُ وَلِيُّ الدَّمِ بِاسْتِيفَائِهِ، فَأَمَرَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ تَعَيَّنَتْ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ بِظَنِّهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ التَّحْقِيقِ أَنَّ الشَّكَّ كَالظَّنِّ. وَأَمَّا الْحَجُّ فَآخِرُ وَقْتِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَأُبِيحَ لَهُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُبَادِرَهُ الْمَوْتُ، فَإِذَا لَمْ يُبَادِرْهُ فَقَدْ قَصَّرَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ وَقْتِهِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْفِعْلِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا كَمَا قَالَ: (وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ) إذَا تَيَقَّنَهُ وَلَوْ عِشَاءً لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوَابِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ: (الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ (الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا (الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَفِي آخِرِهِ عَفْوُ اللَّهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: رِضْوَانُ اللَّهِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُحْسِنِينَ، وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَصِّرِينَ، وَلَوْ اشْتَغَلَ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِأَسْبَابِ الصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ وَالْأَذَانِ وَالسَّتْرِ وَأَكْلُ لُقَمٍ، بَلْ الصَّوَابُ الشِّبَعُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَغْرِبِ، وَتَقْدِيمُ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ أَوْ أَخَّرَ بِقَدْرِ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا حَصَلَتْ لَهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَا يُكَلَّفُ الْعَجَلَةَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، يُحْتَمَلُ مَعَ ذَلِكَ شُغْلٌ خَفِيفٌ وَكَلَامٌ قَصِيرٌ وَإِخْرَاجُ حَدَثٍ يُدَافِعُهُ وَتَحْصِيلُ مَاءٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ (وَفِي قَوْلٍ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ) مَا لَمْ يُجَاوِزْ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ (أَفْضَلُ) لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ (أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ أَقْوَى دَلِيلًا ا هـ. . قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَأْخِيرِهَا إلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِتَكُونَ وَسَطَ اللَّيْلِ بِإِزَاءِ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي وَسَطِ النَّهَارِ، وَالْمَشْهُورُ اسْتِحْبَابُ التَّعْجِيلِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى حَالَيْنِ فَحَيْثُ قِيلَ التَّعْجِيلُ أَفْضَلُ أُرِيدَ مَا إذَا خَافَ النَّوْمَ وَحَيْثُ قِيلَ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ أُرِيدَ مَا إذَا لَمْ يَخَفْ.
المتن وَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِبَلَدٍ حَارٍّ، وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ.
الشرحُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّعْجِيلِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ) أَيْ بِصَلَاتِهِ: أَيْ تَأْخِيرُ فِعْلِهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا (فِي شِدَّةِ الْحَرِّ) إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) أَيْ هَيَجَانِهَا وَانْتِشَارِ لَهِيبِهَا، أَجَارَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا. وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ التَّعْجِيلَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ مَشَقَّةٌ تَسْلُبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ، فَسُنَّ لَهُ التَّأْخِيرُ كَمَنْ حَضَرَهُ طَعَامٌ يَتُوقُ إلَيْهِ أَوْ دَافَعَهُ الْخَبَثُ، وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَمَنْسُوخٌ وَلَا تُؤَخَّرُ عَنْ نِصْفِ الْوَقْتِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَخَرَجَ بِالصَّلَاةِ الْأَذَانُ، وَبِالظُّهْرِ غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ جُمُعَةً فَلَا يُسَنُّ فِيهَا الْإِبْرَادُ. أَمَّا غَيْرُ الْجُمُعَةِ فَلِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ (كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ)، وَلِشِدَّةِ الْخَطَرِ فِي فَوَاتِهَا الْمُؤَدِّي إلَيْهِ تَأْخِيرُهَا بِالتَّكَاسُلِ، وَلِأَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِالتَّبْكِيرِ إلَيْهَا فَلَا يَتَأَذَّوْنَ بِالْحَرِّ. فَإِنْ قِيلَ: وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبْرِدُ بِهَا). . أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي الظُّهْرِ فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ، فَيُعْمَلُ بِخَبَرِ سَلَمَةَ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ (وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ) أَيْ الْإِبْرَادِ (بِبَلَدٍ حَارٍّ) قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ كَالْحِجَازِ وَبَعْضِ الْعِرَاقِ (وَجَمَاعَةٍ) نَحْوَ (مَسْجِدٍ) كَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ (يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ) وَيَمْشُونَ إلَيْهِ فِي الشَّمْسِ فَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَوْ بِقُطْرٍ حَارٍّ وَلَا فِي قُطْرٍ مُعْتَدِلٍ أَوْ بَارِدٍ، وَإِنْ اتَّفَقَ فِيهِ شِدَّةُ الْحَرِّ وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً بِبَيْتِهِ أَوْ بِمَحَلٍّ حَضَرَهُ جَمَاعَةٌ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ أَوْ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ مِنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ لَكِنْ يَجِدُ ظِلًّا يَمْشِي فِيهِ إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ مَشَقَّةٍ، نَعَمْ الْإِمَامُ الْحَاضِرُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ بُعْدٍ يُسَنُّ لَهُ الْإِبْرَادُ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ لِمُنْفَرِدٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إشْعَارٌ بِسَنِّهِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ، وَضَابِطُ الْبُعْدِ مَا يَتَأَثَّرُ قَاصِدُهُ بِالشَّمْسِ، وَالثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ، فَيُسَنُّ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمُصَلًّى بَدَلَ مَسْجِدٍ لَشَمِلَ مَا قَدَّرْتُهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعُ الِاجْتِمَاعِ لِلصَّلَاةِ فَيَشْمَلَ مَا ذُكِرَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّأْخِيرُ لِمَنْ يَرْمِي الْجِمَارَ وَلِمُسَافِرٍ سَائِرَ وَقْتِ الْأُولَى، وَلِمَنْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ أَوْ السُّتْرَةَ أَوْ الْجَمَاعَةَ أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ آخِرَ الْوَقْتِ، وَلِمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فِي يَوْمِ غَيْمٍ حَتَّى يَتَيَقَّنَهُ أَوْ يَظُنَّ فَوَاتَهُ لَوْ أَخَّرَهُ، وَلِدَائِمِ الْحَدَثِ إذَا رَجَا الِانْقِطَاعَ، وَلِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ فَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَإِنْ كَانَ نَازِلًا وَقْتَهَا لِيَجْمَعَهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ إذَا كَانَ سَفَرُهُ سَفَرَ قَصْرٍ، وَلِلْمَعْذُورِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ فَيُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ إذَا أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ.
المتن وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ رَكْعَةٌ فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ.
الشرحُ (وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ) وَبَعْضُهَا خَارِجُهُ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ) فِي الْوَقْتِ (رَكْعَةٌ) أَوْ أَكْثَرُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) أَيْ مُؤَدَّاةً (وَإِلَّا) بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَكْعَةٍ (فَقَضَاءٌ) لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مُؤَدَّاةً، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّكْعَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَغَالِبُ مَا بَعْدَهَا كَالتَّكْرَارِ لَهَا فَكَانَ تَابِعًا لَهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمِيعَ أَدَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا فِي الْوَقْتِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَضَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا بَعْدَ الْوَقْتِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ، وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ وَهُوَ التَّحْقِيقُ، وَعَلَى الْقَضَاءِ يَأْثَمُ الْمُصَلِّي بِالتَّأْخِيرِ إلَى ذَلِكَ، وَكَذَا عَلَى الْأَدَاءِ نَظَرًا لِلتَّحْقِيقِ، وَقِيلَ لَا نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مُسَافِرٍ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ وَخَرَجَ الْوَقْتُ، وَقُلْنَا: إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ صَلَاتَهُ كُلَّهَا أَدَاءٌ كَانَ لَهُ الْقَصْرُ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ جَمِيعَهَا فَمَدَّهَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَمْ يَأْثَمْ قَطْعًا وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. قُلْتُ: فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَجْهٌ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ.
المتن وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ اجْتَهَدَ بِوِرْدٍ وَنَحْوِهِ.
الشرحُ (وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ) لِعَارِضٍ كَغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَعَدِمَ ثِقَةٍ يُخْبِرُهُ بِهِ عَنْ عِلْمٍ (اجْتَهَدَ) جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ أَوْ الْخُرُوجِ وَرُؤْيَةِ الشَّمْسِ مَثَلًا وَإِلَّا فَوُجُوبًا (بِوِرْدٍ) مِنْ قُرْآنٍ وَدَرْسٍ وَمُطَالَعَةٍ وَصَلَاةٍ (وَنَحْوِهِ) أَيْ الْوَرْدِ كَخِيَاطَةٍ وَصَوْتِ دِيكٍ مُجَرَّبٍ، وَسَوَاءٌ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى، وَعَمِلَ عَلَى الْأَغْلَبِ فِي ظَنِّهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْخُرُوجِ لِرُؤْيَةِ الْفَجْرِ، وَلِلْأَعْمَى كَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ لِعَجْزِهِ فِي الْجُمْلَةِ. أَمَّا إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَلَوْ رَقِيقًا بِدُخُولِهِ عَنْ عِلْمٍ أَيْ مُشَاهَدَةٍ كَأَنْ قَالَ: رَأَيْتُ الْفَجْرَ طَالِعًا أَوْ الشَّفَقَ غَارِبًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ، وَجَازَ إنْ أَمْكَنَهُ، وَفِي الْقِبْلَةِ لَا يَعْتَمِدُ الْخَبَرَ عَنْ عِلْمٍ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِتَكَرُّرِ الْأَوْقَاتِ فَيَعْسُرُ الْعِلْمُ بِكُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ عِلْمَهَا مَرَّةً اكْتَفَى بِهِ مَا دَامَ مُقِيمًا بِمَحَلِّهِ فَلَا عُسْرَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْبَرَهُ عَنْ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ لَا يُقَلِّدُهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ بِاجْتِهَادٍ أَنَّ صَلَاتَهُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَتُهَا، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ الْعَارِفِ أَوْ لَا؟. قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي الصَّحْوِ دُونَ الْغَيْمِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ مُجْتَهِدٌ وَهُوَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا، وَفِي الصَّحْوِ مُخْبِرٌ عَنْ عِيَانٍ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَ تَقْلِيدِهِ فِيهِ أَيْضًا وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ فِي الْعَادَةِ إلَّا فِي الْوَقْتِ فَلَا يَتَقَاعَدُ عَنْ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَلَعَلَّهُ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إصَابَتُهُمْ جَازَ اعْتِمَادُهُمْ مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ صَلَّى بِلَا اجْتِهَادٍ أَعَادَ مُطْلَقًا لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ، وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الْوَقْتِ، وَتَأْخِيرُهُ إلَى خَوْفِ الْفَوَاتِ أَفْضَلُ، وَيَعْمَلُ الْمُنَجِّمُ بِحِسَابِهِ جَوَازًا لَا وُجُوبًا، وَلَا يُقَلِّدُهُ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَاسِبُ وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ النُّجُومِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهَا فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ، وَهُوَ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيُّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ نَظِيرِهِ فِي الصَّوْمِ.
المتن فَإِنْ تَيَقَّنَ صَلَاتَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ، وَإِلَّا فَلَا.
الشرحُ (فَإِنْ) صَلَّى بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ (تَيَقَّنَ) أَنَّ (صَلَاتَهُ) وَقَعَتْ (قَبْلَ الْوَقْتِ) أَوْ بَعْضَهَا وَلَوْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ أَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِذَلِكَ وَعَلِمَ بِذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ أَعَادَهَا بِلَا خِلَافٍ أَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَهُ (قَضَا) هَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِفَوَاتِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الْوَقْتُ حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ مَثَلًا سِنِينَ قَبْلَ الْوَقْتِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ صَلَاةً فَقَطْ، وَبَيَانُهُ أَنَّ صَلَاةَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تُقْضَى بِصَلَاةِ الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّانِي بِالثَّالِثِ، وَهَكَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْأَدَاءِ وَلَا نِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْوَقْتِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، وَالثَّانِي لَا قَضَاءَ اعْتِبَارًا بِظَنِّهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وُقُوعَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ بِأَنْ تَيَقَّنَهُ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَالُ (فَلَا) قَضَاءَ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْوَاقِعَةَ بَعْدَهُ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ لَا إثْمَ فِيهَا.
المتن وَيُبَادِرُ بِالْفَائِتِ، وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يَخَافُ فَوْتَهَا.
الشرحُ (وَيُبَادِرُ بِالْفَائِتِ) نَدْبًا إنْ فَاتَهُ بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَنِسْيَانٍ وَوُجُوبًا إنْ فَاتَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا تَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَقِيلَ الْمُبَادَرَة مُسْتَحَبَّةٌ فِيهِمَا، وَقِيلَ: وَاجِبَةٌ فِيهِمَا، وَعَنْ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ لَا يَقْضِي لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحِكْمَتُهُ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ، وَأُيِّدَ بِأَنَّ تَارِكَ الْأَبْعَاضِ عَمْدًا لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَلَى وَجْهٍ مَعَ أَنَّهُ أَحْوَجُ إلَى الْجَبْرِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا لَا تَصِيرُ قَضَاءً خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي وَمَنْ تَبِعَهُ لَكِنْ يَجِبُ إعَادَتُهَا عَلَى الْفَوْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْعُبَابِ. (وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ) أَيْ الْفَائِتِ فَيَقْضِي الصُّبْحَ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَهَكَذَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَ) يُسَنُّ (تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يَخَافُ فَوْتَهَا) مُحَاكَاةً لِلْأَدَاءِ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَصَلَّاهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ وَلَمْ يُقَدِّمْ الْفَائِتَةَ جَازَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَالتَّرْتِيبُ إنَّمَا وَجَبَ فِي الْأَدَاءِ لِضَرُورَةِ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ حِينَ وَجَبَ الصُّبْحُ لَمْ يَجِبْ الظُّهْرُ، فَإِذَا فَاتَ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِي قَضَائِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُجَرَّدُ إنَّمَا يَدُلُّ عِنْدَنَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَاضِرَةِ لَزِمَهُ الْبُدَاءَةُ بِهَا لِئَلَّا تَصِيرَ فَائِتَةً أَيْضًا، وَتَعْبِيرُهُ بِلَا يَخَافُ فَوْتَهَا صَادِقٌ بِمَا إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُدْرِكَ رَكْعَةً مِنْ الْحَاضِرَةِ فَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْفَائِتِ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ خِلَافَهُ، وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ تَحْرِيمِ إخْرَاجِ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا وَنَحْوِهِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي حَاضِرَةٍ وَجَبَ إتْمَامُهَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ اتَّسَعَ، وَلَوْ شَرَعَ فِي فَائِتَةٍ مُعْتَقِدًا سَعَةَ الْوَقْتِ فَبَانَ ضِيقُهُ عَنْ إدْرَاكِهَا أَدَاءً وَجَبَ قَطْعُهَا، وَلَوْ خَافَ فَوْتَ جَمَاعَةٍ حَاضِرَةٍ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ التَّرْتِيبُ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُرَاعَ الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ؟ فَقَدْ قِيلَ بِوُجُوبِهَا أَيْضًا، وَلِذَلِكَ رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي التَّرْتِيبِ خِلَافٌ فِي الصِّحَّةِ، بِخِلَافِهِ فِي الْجَمَاعَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ أَطْلَقُوا اسْتِحْبَابَ تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا فَاتَتْ كُلُّهَا بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَاتَ بَعْضُهَا بِعُذْرٍ، وَبَعْضُهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَبَ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِلَا عُذْرٍ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُقَالُ: تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِهِ، وَقَدْ تَعَارَضَ خِلَافَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجِبُ التَّرْتِيبُ وَالثَّانِي: قَوْلُنَا: يَجِبُ قَضَاءُ الْفَائِتِ بِلَا عُذْرٍ عَلَى الْفَوْرِ، وَمُرَاعَاةُ الثَّانِي أَوْلَى فَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا، وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا أَيْضًا عَلَى الْحَاضِرَةِ عِنْدَ سَعَةِ وَقْتِهَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ إيقَاظِ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا، فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَرَجَ يَوْمًا إلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يَمُرَّ بِنَائِمٍ إلَّا أَيْقَظَهُ)، وَكَذَا إذَا رَآهُ أَمَامَ الْمُصَلِّينَ أَوْ كَانَ نَائِمًا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ مِحْرَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ نَائِمًا عَلَى سَطْحٍ لَا حِجَازَ لَهُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ، أَوْ كَانَ نَائِمًا بَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ وَبَعْضُهُ فِي الظِّلِّ، أَوْ كَانَ نَائِمًا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ كَانَ نَائِمًا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ أَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، أَوْ نَامَ خَالِيًا وَحْدَهُ، أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ نَائِمَةً مُسْتَلْقِيَةً وَوَجْهُهَا إلَى السَّمَاءِ، أَوْ نَامَ الرَّجُلُ مُنْبَطِحًا فَإِنَّهَا ضَجْعَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوقِظَ غَيْرَهُ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَلِلتَّسَحُّرِ وَالنَّائِمَ بِعَرَفَاتٍ وَقْتَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ طَلَبٍ وَتَضَرُّعٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَى شَخْصًا يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ نَجَسٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ.
المتن وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ، وَالْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ إلَّا لِسَبَبٍ كَفَائِتَةٍ، وَكُسُوفٍ، وَتَحِيَّةٍ، وَسَجْدَةِ شُكْرٍ، وَإِلَّا فِي حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشرحُ (وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ هُنَا وَإِنْ صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَفِي الطَّهَارَةِ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ) فَالظَّهِيرَةُ شِدَّةُ الْحَرِّ، وَقَائِمُهَا هُوَ الْبَعِيرُ يَكُونُ بَارِكًا فَيَقُومُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْأَرْضِ وَتَضَيَّفُ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ مُشَدَّدَةٍ: أَيْ تَمِيلُ، وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالزَّوَالِ وَوَقْتُ الِاسْتِوَاءِ لَطِيفٌ لَا يَتَّسِعُ لِصَلَاةٍ وَلَا يَكَادُ يُشْعَرُ بِهِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا أَنَّ التَّحَرُّمَ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِيهِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ (إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ) لِاسْتِثْنَائِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُطْلَقًا؛ سَوَاءٌ أَحَضَرَ إلَى الْجُمُعَةِ أَمْ لَا، وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِمَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ، وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِمَنْ حَضَرَ وَغَلَبَهُ النُّعَاسُ فَيَدْفَعُهُ بِرَكْعَتَيْنِ. (وَ) تُكْرَهُ أَيْضًا (بَعْدَ) طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَّى الصُّبْحَ أَمْ لَا، وَبَعْدَ صَلَاةِ (الصُّبْحِ) أَدَاءٌ (حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ) فِيهِمَا (كَرُمْحٍ) فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَالْمَسَافَةُ بَعِيدَةٌ (وَ) بَعْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ حَتَّى تَغْرُبَ صَلَّى الْعَصْرَ أَمْ لَا، وَبَعْدَ صَلَاةِ (الْعَصْرِ) أَدَاءٌ وَلَوْ مَجْمُوعَةً فِي وَقْتِ الظُّهْرِ (حَتَّى تَغْرُبَ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَعِنْدَ الطُّلُوعِ وَالِاصْفِرَارِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ، وَلَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرُ الرُّمْحِ، وَهُوَ تَقْرِيبٌ، وَمَا قَرَّرْتُ بِهِ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الْأَوْقَاتَ خَمْسَةٌ هِيَ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ وَتَبِعَهُمْ فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ الْعَصْرَ حَتَّى اصْفَرَّتْ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ حَتَّى تَرْتَفِعَ أَوْ تَغْرُبَ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْجُمْهُورِ دُونَ عِبَارَةِ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ حَالَ الِاصْفِرَارِ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ فِيهِ عَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى بِسَبَبَيْنِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ تَوَهَّمَ انْدِرَاجَهُمَا فِي قَوْلِهِ: وَبَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُرَادُ بِحَصْرِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوْقَاتِ الْأَصْلِيَّةِ فَسَتَأْتِي كَرَاهَةُ التَّنَفُّلِ فِي وَقْتِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَوَقْتِ صُعُودِ الْإِمَامِ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ا هـ. وَإِنَّمَا تَرِدُ الْأُولَى إذَا قُلْنَا: إنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ كَرَاهَةَ وَقْتَيْنِ آخَرَيْنِ: وَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاتِهِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ إلَى صَلَاتِهِ، وَقَالَ: إنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ ا هـ. وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِذَا صَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا عُزِّرَ، وَلَا تَنْعَقِدُ إذَا قُلْنَا إنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَكَذَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِانْعِقَادِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحْرِيمِ لَا لِلتَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْعِبَادَةِ الَّتِي لَا تَنْعَقِدُ حَرَامٌ اتِّفَاقًا لِكَوْنِهِ تَلَاعُبًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ نَهْيَ التَّنْزِيهِ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصِّحَّةَ كَنَهْيِ التَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ (إلَّا لِسَبَبٍ) غَيْرِ مُتَأَخِّرٍ فَإِنَّهَا تَصِحُّ (كَفَائِتَةٍ)؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا مُتَقَدِّمٌ سَوَاءٌ أَكَانَتْ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا حَتَّى النَّوَافِلُ الَّتِي اتَّخَذَهَا وِرْدًا وَلِخَبَرِ (فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا)، وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: هُمَا اللَّتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ). وَفِي مُسْلِمٍ (لَمْ يَزَلْ يُصَلِّيهِمَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا). وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ لِمَنْ قَضَى فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ صَلَاةً أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا وَيَجْعَلَهَا وِرْدًا (وَ) صَلَاةُ (كُسُوفٍ) وَاسْتِسْقَاءٍ وَطَوَافٍ (وَتَحِيَّةٍ) وَسُنَّةِ وُضُوءٍ (وَسَجْدَةِ شُكْرٍ) وَتِلَاوَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ كَرَكْعَتَيْ الْوُضُوءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَبَعْضَهَا لَهُ سَبَبٌ مُقَارِنٌ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ، وَلِأَنَّ نَحْوَ الْكُسُوفِ وَالتَّحِيَّةِ مُعَرَّضٌ لِلْفَوَاتِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّهُ سَجَدَ سَجْدَةً لِلشُّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ " وَفِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ: حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي أَنْ أُصَلِّيَ) وَالدَّفُّ: صَوْتُ النَّعْلِ وَحَرَكَتُهُ عَلَى الْأَرْضِ أَمَّا مَا لَهُ سَبَبٌ مُتَأَخِّرٌ كَرَكْعَتَيْ الِاسْتِخَارَةِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَالصَّلَاةِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِخَارَةَ وَالْإِحْرَامَ سَبَبُهُمَا مُتَأَخِّرٌ عَنْهُمَا. وَالْمُرَادُ بِالتَّقَدُّمِ وَقَسِيمَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، أَوْ إلَى الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَعَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا سَبَبُهَا مُتَقَدِّمٌ، وَعَلَى الثَّانِي قَدْ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا، وَقَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا بِحَسَبِ وُقُوعِهِ فِي الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ، وَمَحَلُّ صِحَّةِ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَتَحَرَّ بِهِ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ لِيُوقِعَهَا فِيهِ، وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَ تَأْخِيرَ الْفَائِتَةِ، أَوْ الْجِنَازَةِ لِيُوقِعَهَا فِيهِ، أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ بِنِيَّةِ التَّحِيَّةِ فَقَطْ، أَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ لِيَسْجُدَهَا فِيهِ، وَلَوْ قَرَأَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَخَبَرِ (لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا) . فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي - كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ - أَنْ يَكُونَ الْمَكْرُوهُ الدُّخُولَ لِغَرَضِ التَّحِيَّةِ وَتَأْخِيرَ الْفَائِتَةِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَمَّا فِعْلُهَا فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا بِأَنْ فَاتَتْهُ عَمْدًا، بَلْ الْعَصْرُ الْمُؤَدَّاةُ تَأْخِيرُهَا لِتُفْعَلَ وَقْتَ الِاصْفِرَارِ مَكْرُوهٌ، وَلَا نَقُولُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ إنَّ إيقَاعَهَا فِيهِ مَكْرُوهٌ بَلْ وَاجِبٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَالْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْمُؤَدَّاةُ لِوُقُوعِهَا فِي وَقْتِهَا، بِخِلَافِ التَّحِيَّةِ وَالْفَائِتَةِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَكَوْنُهَا قَدْ تَجِبُ لَا يَقْتَضِي صِحَّتَهَا فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى ذَلِكَ مُرَاغِمٌ لِلشَّرْعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِأَنَّ الْمَانِعَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُقْتَضِي عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا. وَأَمَّا مُدَاوَمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهَا. أَمَّا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَا لِغَرَضِ التَّحِيَّةِ، أَوْ لِغَرَضٍ غَيْرِ التَّحِيَّةِ أَوْ لِغَرَضِهِمَا فَلَا تُكْرَهُ، بَلْ تُسَنُّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِخَبَرِ النَّهْيِ. فَإِنْ قِيلَ: خَبَرُ النَّهْيِ عَامٌّ فِي الصَّلَوَاتِ خَاصٌّ فِي الْأَوْقَاتِ، وَخَبَرُ التَّحِيَّةِ بِالْعَكْسِ فَلِمَ رُجِّحَ تَخْصِيصُ خَبَرِ النَّهْيِ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ دَخَلَهُ بِمَا مَرَّ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَهُمَا. وَأَمَّا خَبَرُ التَّحِيَّةِ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِهَذَا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّاخِلَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بِالتَّحِيَّةِ بَعْد أَنْ قَعَدَ، وَلَوْ كَانَتْ تُتْرَكُ فِي وَقْتٍ لَكَانَ هَذَا الْوَقْت؛ لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ حَالَ الْخُطْبَةِ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا التَّحِيَّةَ، وَلِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ أَنْ قَعَدَ الدَّاخِلُ، وَكُلُّ هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي تَعْمِيمِ التَّحِيَّةِ، ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي وَقْتِ جَوَازِ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَجَدَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لَمْ يُجْزِهِ: أَيْ إذَا تَحَرَّى السُّجُودَ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِمَّا إذَا قَرَأَهَا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ (وَإِلَّا فِي حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ) لِخَبَرِ (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ فَضْلِ الصَّلَاةِ فَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ، نَعَمْ هِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي مُقْنِعِ الْمَحَامِلِيِّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُكْرَهُ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَحُمِلَتْ الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ سَبَبُهُمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَخْصِيصٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ. وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ خَاصٌّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقِيلَ: بِنَفْسِ الْبَلَدِ، وَخَرَجَ بِحَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ كَغَيْرِهِ.
|